فصل: ثم دخلت سنة أربعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ثم دخلت سنة أربعين ومائة

  ذكر هلاك أبي داود عامل خراسان وولاية عبد الجبار

وكان سبب هلاكه أن ناسًا من الجند ثاروا به وهو بكشماهن ووصلوا إلى المنزل الذي هو فيه فأشرف عليهم من الحائط ليلًا فوطئ حرف آجرة خارجة وجعل ينادي أصحابه ليعرفوا صوته فانكسرت الآجرة تحته عند الصبح فسقط على الأرض فانكسر ظهره فمات عند صلاة العصر فقالم عصام صاحب شرطته بعده حتى قدم عليه عبد الجبا بن عبد الرحمن الأزدي عاملًا على خراسان فملا قدمها أخذ جماعةً من القواد أتهمهم بالدعاء إلى ولد علي بن أبي طالب منهم‏:‏ مجاشع بن حريث الأنصاري عامر بخارى وأبو المغيرة خالد بن كثير مولى بني تميم عامل قوهستان والحريش بن محمد الدهلي وهو ابن عم أبي داود فقاتلهم وحبس جماعةً غيرهم وألح على عمال أبي داود في استخراج ما عندهم من الأموال‏.‏

  ذكر قتل يوسف الفهري

في هذه السنة نكث يوسف الفهري الذي كان أمير الأندلس عهد عبد الرحمن الأموي‏.‏

وكان سبب ذلك أن عبد الرحمن كان يضع عليه من يهينه وينازعه في أملاكه فإذا أظهر حجة الشريعة لا يعمل بها ففطن لما يراد منه فقصد ما ردة واجتمع عليه عشرون ألفًا فسار نحو عبد الرحمن وخرج عبد الرحمن من قرطبة نحوه إلى حصن المدور‏.‏

ثم إن يوسف رأى أن يسير إلى عبد الملك بن عمر بن مروان وكان واليًا على إشبيلية وإلى ابنه عمر بن عبد الملك وكان على المدور فسار نحوها وخرجا إليه فلقياه فاققتلا قتالًا شديدًا فصبر الفريقان وانهزم أصحاب يوسف وقتل منهم خلق كثير وهرب يوسف وبقي مترددًا في البلاد فقتله بعض أصحابه في رجب من سنة اثنتين وأربعين بنواحي طليطلة وحمل رأسه إلى عبد الرحمن فنصبه بقرطبة وقتل ابنه عبد الرحمن بن يوسف الذي كان عنده رهينةً ونصب رأسه مع رأس أبيه وبقي أبو الأسود بن يوسف عند عبد الرحمن الأموي رهينةً وسأتي ذكره‏.‏

وأما الصميل فإنه لما فر يوسف من قرطبة لم يهرب معه فدعاه الأمير عبد الرحن وسأله عنه فقال‏:‏ لم يعلمني بأمره ولا أعرف خبره فقال‏:‏ لا بد أن تخبر‏.‏

فقال‏:‏ لو كان تحت قديم ما رفعتهما عنه فسجنه مع ابني يوسف‏.‏

فلما هربا من السجن أنف من الهرب والفرار فبقي في السجن ثم أدخل إليه بعد ذلك مشيخة مضر فوجدوه ميتًا وعنده كأس ونقل فقالوا‏:‏ يا أبا جوشن قد علمنا أنك ما شربت ولكن سقيت‏!‏ ودفع إلى أهله فدفنوه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة هلك أذفنش ملك جليقية وملك بعده ابنه تدويلية وكان أشجع من أبيه وأحسن سياسة للملك وضبطًا له وكان ملك أبيه ثماني عشرة سنة‏.‏

ولما ملك ابنه قوي أمره وعظم سلكانه وأخرج المسلمين من ثغور البلاد وملك مدينة لك وبرطقال وشلمنقة وشمورة وأيلة وشقويبة وفشتيالة وكل هذه من الأندلس‏.‏

وفيها سير المنصور عبد الوهاب ابن أخيه إبراهيم الإمام والحسن بن قحطبة في سبعين ألفًا من المقاتلة إلى ملطية فنزلوا عليها وعمروا ما كان خربه الروم منها ففرغوا من العمارة في ستة أشهر وكان للحسن في ذلك أثر عظيم وأسكنها المنصور أربعة آلاف من الجند وأكثر فيها من السلاح والذخائر وبنى حصن قلوذية‏.‏

ولما سمع ملك الروم بمسير عبد الوهاب والحسن إلى ملطية سار إليهم في مائة ألف مقاتل فنزل جيحان فبلغه كثرة المسملين فعاد عنهم‏.‏

ولما عمرت ملطية عاد غليها من كان باقيًامن أهلها‏.‏

وفيها حج المنصور بعمارة مدينة المصيصة على يد جبرائيل بن يحيى وكان سورها قد تشعث من الزلازل وأهلها قليل فبنى السور وسماها المعمورة وبنى بها مسجدًا دامعًا وفرض فيها لألف رجل وأسكنها كثيرًا من أهلها‏.‏

وفيها توفي سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة‏.‏

وعمرو بن يحيى بن أبي حسن الأنصاري‏.‏

وعمارة بن غزية الأنصاري‏.‏

وعمارة بن غزية الأنصاري وكان ثقة‏.‏

وأبو العلاء أيوب القصاب‏.‏

وأبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكانفي وهومتكلمي المعتزل وأئمتهم وله طائفة تنسب إليه‏.‏

وأسماء بن عبيد بن مخارق والد حويزة بن أسماء‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة

  ذكر خروج الراوندية

وفي هذه السنة كان خرروج الراوندية على المنصور وهم قوم من أهل خراسان على رأي أبي مسملم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح يزعمون أن روح آدم في عثمان بن نهيك وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو المنصور وأن جبرائيل هو الهيثم نب معاوية‏.‏

فلما ظهروا وأوا قصر المنصور فقالزا‏:‏ هذا قصر المنصور فقالوا‏:‏ هذا قصر ربنا‏.‏

فاخذ المنصور رؤساءهم فحبس منهم مائتين فغضب أصحابهم وأخذوا نعاشلً وحملو السرير وليس في النعش أحد ومروا به حتى صاروا على باب السجن فرموا بالنعش وحملوا على الناس ودخلوا السجن وأخرجوا أصحابهم وقصدوا نحو المنصور وهم يومئذ ستمائة رجل فتنادى الناس وغلقت أبواب المدينة فلم يدخل أحد فخرج المنصور من القصر ماشيًا ولم يكن فلما خرج المنصور أتي بدابة فركبها وهويريدهم وتكاثروا عليه حتى كادوا يقتلونه وجاء معن بن زائدة الشيباني وكان مستترًا من المنصور بقتاله مع ابن هبيرة كما ذكرناه والمنصور شديد الطلب له وقد بذل بلاء حسنًا وكان المنصور راكبًا على بغلة ولجامها بيد الربيع حاجبه فأتى معن وقال‏:‏ تنح فأنا أحق بهذا اللجام منك في هذا الوقت وأعظم غناء‏.‏

فقال المنصور‏:‏ صدق فادفعه إليه‏.‏

فلم يزل يقاتل حتى كشفت الحال وظفر بالرواندية‏.‏فقال له المنصور‏:‏ من أنت قال‏:‏ طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة‏.‏

فقال‏:‏ آمنك بالله على نفسك ومالك وأهلك مثلك يصطنع‏.‏

وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب المنصور وقال‏:‏ أنا اليوم بواب‏.‏

ونودي في أهل السوق فرموهم وقاتلوهم وفتح باب المدينة فدخل الناس فجاء خازم بن خزيمة فحمل عليهم حتى ألجأهم إلى الحائط ثم حملوا عليه فكشفوه مرتين فقال خازم للهيثم بن شعبة‏:‏ إذا كروا علينا فاستبقهم إلى الحائط فإذا رجعوا فاقتلهم‏.‏

فحملوا على خازم فاطرد لهم وصار الهيثم من ورائهم فقتلوا جميعًا‏.‏

وجاءهم يومئذ عثمان بن نهيك فكلمهم فرموه بسهم عند رجوعه فوقع بين كتفيه فمرض أيامًا ومات منها فصلى عليه المنصور وجعل على حرسه بعده عيسى بن نهيك فكان على الحرس فلما صلى المنصور الظهر دعا بالعشاء وأحضر معنًا ورفع منزلته وقال لعمه عيسى بن علي بن عبد الله بن عابس‏:‏ يا أبا العباس أسمعت بأشد رجل قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ لو رأيت اليوم معنًا لعلمت أنه منهم‏.‏

فقال معن‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لقد أتيتك وإني لوجل القلب فلما رأيت ما عندك من الاستهانة بهم وشدة الإقدام عليهم رأيت ما لم أره من خلقٍ في حرب فشد ذلك من قلبي وحملني على ما رأيت مني‏.‏

وقيل‏:‏ كان معن متخفيًا من المنصور لما كان منه من قتاله مع ابن هبيرة كما ذكرناه وكان اختفاؤه عند أبي الخصيب حاجب المنصور وكان على أن يطلب الأمان فلما خرجت الراوندية جاء معن فوقف بالباب فسأل المنصور أبا الخطيب‏:‏ من بالباب فقال‏:‏ معن بن زائدة‏.‏

فقال المنصور‏:‏ رجل من العرب شديد النفس علم بالحرب كريم الحسب أدخله فلما دخل قال‏:‏ أيه يا معن‏!‏ ما الرأي قال‏:‏ الرأي أن تنادي في الناس فتأمرهم لهم بالأموال‏.‏

فقال‏:‏ واين الناس والأموالل ومنة تقدم على أن يعرض نفسه لهؤلاء العلوج‏!‏ لم تصنع شيئًا يا معن‏!‏ الرأي أن اخرج فأقف للناس فإذا رأوني قاتلوا وتراجعوا إلي وإن أقمت تهاونوا وتخاذلو‏:‏ فأخذ معن بيده وقال‏:‏ لا أمير المؤمنين إذًا والله تقتل الساعة فأنشدك الله في نفسك‏!‏ فقال له أبو الخطيب مثلها فجذب ثوبه مهما وركب دابته وخرج ومعن آخذ بلجام دابته وأبو الخصيب مع ركابه وأتاه رجل فقتله معن حتى قتل أربعةً في تلك الحالة حتى اجتمع إليه الناس فلم يكن إلا ساعة حتى أفنوهم ثم تغيب معن فسأل المنصور عنه أبا الخطيب فقال‏:‏ لا أعلم مكانه‏.‏

فقال المنصور‏:‏ ايظن معن أن لا أغفر ذنبه بعد بلائه أعطه الأمان وأدخله علي فأدخله إليه فأمر له بعشرة آلاف درهم ثم ولاه اليمن‏.‏

  ذكر خلع عبد الجبار بخراسان وسمير المهدي إليه

في هذه السنة خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن عامل خراسان للمنصور‏.‏

وسبب ذلك أن عبد الجبار لما استعمله المنصور على خراسان عمد إلى القواد فقتل بعضهم وحبس بعضهم فبلغ ذلك المنصور وأتاه من بعضهم كتاب‏:‏ قد نغل الأديم‏.‏

فال لأبي أيوزب‏:‏ إن عبد الجبار قد أفنى شيعتنا وما فعل ذلك إلا وهو يريد أن يخلع‏.‏

فقال له‏:‏ اكتب إليه أنك تريد غزو الروم فليوجه إليك الجنود من خاسان وعليهم فرسانهم ووجوههم فغذا خرجوا منها فابعث إليه من شئت فلا تمنع‏.‏

فكتب المنصور إليه بذلك وأجابه‏:‏ إن الترك قد جاشت وإن فرقت الجنود ذهبت خراسان‏.‏

فألقى الكتاب إلى أبي أيوب وقال له‏:‏ ما ترى قال‏:‏ قد أمكنك من قياده اكتب إليه‏:‏ إن خراسان أهم إلي من غيرها وأنا موجه إليك الجنود ثم وجه إليه الجنود ليكونوا بخراسان فإن هم بخلعٍ أخذوا بعنقه‏.‏

فلما ورد الكتاب بهذا على عبد الجبار أجابه‏:‏ إن خراسان لم تكن قط أسوأ حالًا منها في هذا العام وإن دخلها الجنود هلكوا لضيق ما هم فيه من الغلاء‏.‏

فلما أتاه الكتاب أقلاه إلى أبي أيوبن فقال له اظبو أيوب‏:‏ قد أبدى صفحته وقد خلع فلا تناظره‏.‏

ووجه المنصور ابنه لمهدي وأمره بنزول الري فسار إليها المهدي ووجه خازم بن خزيمة بين يديه لحرب عبد الجبار وسار المهدي فنزل نيسابور فلما لغ ذلك أهل مرو الورذ ساروا إلى عبد الجبار وحاربوه وقاتلوه قتالًا شديدًا فانهزم منهم لجأ إى معطنة فتوارى فيها فعبر إليه المجشر بن مزاحم من أهل مرو الروذ فاخذه أسيرًا فلما قدم خازم أتاه به فألبسه جبة صوف وحمله على بعير وجعل وجهه مما يلي عجز البعير وحمله إلى المنصور ومعه ولده وأصحابه فبسط عليهم العذاب حتى استخرج منهم الأموال ثم أمر فقطعت يدا عبد الجبار ورجلاه وضرب عنقه وأمر بتسيير ولده إلى دهلك وهي جزيرة باليمن فلم يزالوا بها حتى أغار عليهم الهند فسبوهم فيمن سبوا ثم فودوا بعد ذلك‏.‏

وكان ممن نجا منهم عبد الرحمن بن عبد الجبار صحب الخلفاء ومات أيام الرشيد سنة سبعين ومائة‏.‏

  ذكر فتح طبرستان

ولما ظفر المهدي بعبد الجبار بغير تعب ولا مباشرة قتل كره المنصور أن تبطل تلك النفقات التي أنفق على المهدي فكتب إليه أن يغزو طبرستان وينزل الري ويجه أبا الخصيب وخازم بن خزيمة والجنود إلى الأصبهبذ وكان الأصبهبذ يومئذ محاربًا للمصمغان ملك دنباوند معسكرًا بإزائه فلما بلغه دخول الجنود بلاده ودخول أبي الخصيب سارية قال المصمغان للأصبهبذ‏:‏ متى قهروك صاروا إلي فاجتمعا على حرب المسلمين‏.‏

فانصرفالأصبهبذ إلى بلاده فحارب المسلمين فطالت تلك الحروب فوجه المنصور عمر بن العلاء إلى طبرستان وهو الذي يقول فيه بشار‏:‏ إذا أيقظتك حروب العدى فنبه لها عمرًا ثم نم وكان علمًا ببلاد طبرستان فأخذ الجنود وقصد الرويان وفتحها وأخذ قلعة الطاق وما فيها وطالت الحرب فألح خازم على القتال ففتح طبرستان وقتل منهم فأكثر وسار الأصبهبذ إلى قلعته فطلب الأمان على أن يسلم القلعة بما فها من الذخائر وكتب المهدي بذلك إلى المنصور فوجه المنصور صالحًا صاحب المصلى فأحصوا ما في الحصن وانصرفوا ودخل الأصبهبذ بلاد جيلان من الديلم فمات بها وأخذت ابنته وهي أم إبراهيم بن العباس بن محمد وقصدت

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل زياد بن عبيد الله الحارثي عن مكة والمدنة والطائف واستعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري في رجب وعلى الطائف ومكة الهيثم بن معاوية العتكي من أهل خراسان‏.‏

وفيها نوفي موسى بن كعب وهو على شرط المنصور وعلى مصر والهند وخليفته على الهند عيينة أبنه وكان قد عزل موسى عن مصر ووليها محمد ابن الأشعث ثم عزل ووليها نوفل بن محمد بن الفارت‏.‏

وحج بالناس هذه السنة صالح بن علي بن عبد الله بن عباس وهو على الشام وعلى الكوفة عيسى بن موسى وعلى البصرة سفيان بن معاوية وعلى خراسان المهدي وخليفته بها السري بن عبد الله وعلى الموصل إسماعيل بن علي‏.‏

وفيها مات سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري‏.‏

وأبان بن تغلب القارئ‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائة

  ذكر خلع عيينة بن موسى بن كعب

وسبب خلعه أن أباه كان استخلف المسيب بن زهير على الشرط فلما مات موسى أقام المسيب على ماكان يلي من الشرط وخاف أن يحضر المنصور عيينة فيوليه ما كان إلى أبيه فكتب إليه ببيت شعر ولم ينسب الكتاب إلى نفسه‏:‏ فأرضك أرضك إن تأتينا تنم نومةً ليس فيها حلم فخلع الطاعة‏.‏

فلما بلغ الخبر إلى المنصور سار بعسكره حتى نزل على جسر البصرة ووجه عمر بن حفص بن أبي صفراء والعتكي عاملًا على السند والهند فحاربه عيينة فسار حتى ورد السند فغلب عليها‏.‏

  ذكر نكث الأصبهبذ

في هذه السنة نكث الأصبهبذ بطربرستان العهد بينه وبين المسلخمين وقتل من كان ببلاده منهم فلما انتهى الخبر إلى المنصور سير مولاه أبا الخصيب وخازم بن خزيمة وروح بن حاتم فأقاموا على الحصن يحاصرونه وهو فيه فلما طال عليهم المقام احتال أو الخصيب في ذلك فقال لأصحابه‏:‏ اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي‏.‏

ففعلوا ذلك به‏.‏

ولحق بالأصبهبذ فقال له‏:‏ فعل بي هذا تهمةً منهم لي أن يكون هواي معك وأخبره أنه معه وأنه دليل على عورة عسكرهم‏.‏ فقبل وكان باب حصنهم من حجر يلقى إلقاء ترفعه الرجال وتضعه عند فتحه وإغلاقه وكان الأصبهبذ يوكل به ثقات أصحابه نوبًا بينهم فلما وثق الأصبعبذ بأبي الخصيب وكله بالباب فتولى فتحه وإغلاقه حتى أنس به‏.‏

ثم كتب أبو الخصيب إلى روح وخازم وألقى الكتاب في سهم وأعلمهم أنه قد ظفر بالحيلة وواعدهم ليلةً في فتح الباب فلما كان تلك الليلة فتح لهم فقتلوا من في الحصن من المقاتلة وسبوا الذرية وأخذوا شكلة أم إباهيم بن المهدي‏.‏

وكان مع الأصبهببذ سم فشربه فمات‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها مات سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو على البصرة في جمادى الآخرة وعمره تسع وخمسون سنة وصلى عليه أخوه عبد الصمد‏.‏

وفيها عزل نوفل بن الفرات عن مصر ووليها حميد بن قحطبة‏.‏

وحج بالناس إسماعيل بن علي بن عبد الله وكان العمال من تقدم ذكرهم‏.‏

وولى المنصور بالجزيرة والثغر والعواصم أخاه العباس بن محمد وعزل المنصور عمه إسماعيل بن علي عن الموصل واستعمل عليها مالك ابن الهيثم الخزاعي جد أحمد بن نصير الذي قتله الواثق وكان خير أمير‏.‏

فيها مات يحيى بن سعيد الأنصاري أبو سعيد قاضي المدينة وقيل سنة ثلاث وقيل سنة أربع وأربعين‏.‏

وفيها مات موسى بن عقبة مولى آل الزبير‏.‏

وفيها توفي أيضًا عاصم بن سليمان الأحول وقيل سنة ثلاث وأربعين‏.‏

وفيها مات حميد بن أبي حميد طرخان وقيل مهران مولى طلحة بن عبد الله الخزاعي وهو حميد الطويل يروي عن أنس بن مالك وعمره خمس وسبعون سنة‏.‏

  ثم دخلت ستة ثلاث وأربعين ومائة

في هذه السنة ثار الديلم بالمسلمين فتلوا منهم مقتلةً عظيمة فبلغ ذلك المنصور فندب الناس إلى قتال الديلم وجهادهم‏.‏

وفيها عزل الهيثم بن معاوية عن مكة والطائف وولي ذلك السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس وكان على اليمامة فسار إلى مكة واستعمل المنصور على اليمامة قثم بن عباس بن عبد الله‏.‏

وفيها عزل حميد بن قحطبة عن مصر واستعمل عليها نوفل بن الفرات ثم عزل نوفل

وحج بالناس هذه السنة عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله وكان إليه ولاية الكوفة‏.‏

وفيهاثار بالأندلس رزق بن النعمان الغساني على عبد الرحمن وكان رزق على الجزيرة الخضراء فاجتمع إليه خلق عظيم فسار إلى شذونة فملكها ودخل مدينة إسبيلية وعاجله عبد الرحمن فحصره فيها وضيق على من بها فتقربوا إليه بتسلمي رزق إليه فقتله فأمنهم ورجع عنهم‏.‏

وفيها مات عبد الرحمن بن عطاء صاحب الشارعة وهي نخل‏.‏

وسليمان ابن طرخان التيمي‏.‏

واشعث بن سوار‏.‏

ومجالد بن سعيد‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة

في هذه السنة سير أبو جعفر الناس من الكوفة والبصرة والحزيرة والموصل إلى غزو الديلم وساتعمل عليهم محمد بن أبي العباس السفاح‏.‏

وفيها رجع المهدي من خراسان إلى العراق ونى بريطة ابنة عمه السفاح‏.‏

وفيها حج المنصور واستعمل على عسكره والميرة خازم بن خزيمة‏.‏

وأمر محمد بن عبد الله بن الحسن وفيها استعمل المنصور على المدينة رياح بن عثمان المري وعزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عنها‏.‏

وكان سبب عزله وعزل زياد قبله أن المنصور أهمه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بت الحسن علي بن أبي طالب وتخلفهما عن الحضور عنده مع من حضره من بني هاشم عام حج أيام السفاح سنة ست وثلاثين وذكر أن محمد بن عبد الله كان يزعم أن المنصور ممن بايعه ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر مروان بن محمد فلما حج المنصور سنة ست وثلاثين سأل عنهما فقال له زياد بن عبيد الله الحارثي‏:‏ ما يهمك من أمرهما أنا آتيك بهما‏.‏

وكان معه بمكة فرده المنصور إلى المدينة‏.‏

فلما استخلف المنصور لم يكن همه إلا أمر محمد والمسألة عنه وما يريد فدعا بني هاشم رجلًا رجلًا يسأله سرًا عنه فكلهم يقول‏:‏ قد علم أنك عرفته يطلب هذا الأمر فهو يخافك على نفسه وهو لا يريد لك خلافًا وما أشبه هذا الكلام إلا الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب فإنه أخبره خبره وقال له‏:‏ والله ما آمن وثوبه عليك فغنه لا ينام عنك فأيقظ بكلامه

من لاي نام فكان موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك‏:‏ اللهم اطلب حسن بن زيد بدمائنا ثم ألح المنصور على عبد الله بن الحسن في إحضار ابنه محمد سنة حج فقال عبد الله لسليمان بن علي بن عبد الله بن عباس‏:‏ يا أخي بيننا من الصهر والرحم ما تعلم فما ترى فقال سليمان‏:‏ والله لكأنني أنظر إلى أخي عبد الله بن علي حين حال الستر بينه وبيننا وهويشير إلينا‏:‏ هذا الذي فعلتم بي فلو كان عافيًا عفا عن عمه‏.‏

فقبل عبد الله رأي سليمان وعلم أنه قد صدقه ولم يظهر ابنه‏.‏

ثم إن المنصور اشترى رقيًا من رقيق الأعراب وأعطى الرجل منهم البعير والرجل البعيرين والرجل الذود وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة وكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال يسألون عنه وبعث المنصور عينًا آخر وكتب معه كتابًا على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم ومسارعتهم وبعث معه بمال وألطافٍ وقدم الرجل المدينة فدخل على عبد الله بن الحسن ابن الحسن فسأله عن ابنه محمد فذكر له فكتم له خبره فتردد الرجل إليه وألح في المسألة فذكر أنه في جبل جهينة فقال له‏:‏ امرر بعلي ابن الرجل الصالح الذي يدعى الأعر وهو بذي الأبر فهور يرشدك فأتاه فأرشده‏.‏

وكان للمنصور كاتب على سره يتشيع فكتب إلى عبد الله بن الحسن يخبره بذلك العين فلما قدم الكاتب ارتاعوا له وبعثوا أبا هبار إلى محمد وإلى علي بن الحسن يحذرهما الرجل فخرج أبو هبار فنزل بعلي بن الحسن وأخبره ثم سار إلى محمد بن عبد الله في موضعه الذي هو به فإذا هو جالس في كهف ومعه جماعة من أصحابه وذلك العين معهم أعلاهم صوتًا وأشدهم انبساطًا فلما رأى أبا هبار خافه فقال أبو هبار لمحمد‏:‏ لي حاجة‏.‏

فقالم معه فأخبره الخبر قال‏:‏ فما الرأي قال‏:‏ أرى إحى ثلاث‏.‏

قال‏:‏ تدعني أقتل هذا لارجل‏.‏

قال‏:‏ ما أنا مقارف دمًا إلا كرهًا‏.‏

قال‏:‏ أثقله حديدًا وتنقله معك حيث تنقلب‏.‏

قال‏:‏ وهل لنا فرار مع الخوف والإعجال قال‏:‏ نشدهونودعه عند بعض أهلك من جهينة‏.‏

قال‏:‏ هذه إذًا‏.‏

فرجعا فلم يريا الرجل‏.‏

فقال محمد‏:‏ أين الرجل قالوا تركوه مهملًا وتوارى بهذا الطريق يتوضأ فطلبوه ولم يجدوه فكأن الأرض التأمت عليه وسعى على قدميه حتى اتصل بالطريق فمر به الأعراب معهم حمولة إلى المدينة فقال لعضهم‏:‏ فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلًا لصاحبتها ولك كذا وكذا‏.‏

ففعل وحمله حتى أقدمه المدينة‏.‏

ثم قدم على المنصور وأخبره خبره كله ونسي اسم أبي هبار وكنيته وقال‏:‏ وبار‏.‏

فكتب أبو جعفر في طلب وبار المري فحمل إليه رجل اسمه وبر فسأله عن قصة محمد فحلف له أنه لا ثم إنه أحضر عقبة بن سلم الأزدي فقال‏:‏ أريدك لأمر أنا به معني لم أزل أرتاد له رجلًا عسى أن تكونه زإن كفيتنيه رفعتك‏.‏

فقال‏:‏ أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين في‏.‏

قال‏:‏ فأخف سخصك واستر أمرك وأتني يوم كذا فيوقت كذا‏.‏

فأتاه ذلك الوقت‏.‏

فقال له‏:‏ إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا واعتيالًا له ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطافب بلادهم فاخرج بكسىً وألطافٍ وعين حتى تأتيهم متنكرًا بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية ثم لعلم حالهم فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب وإن كانو على رأيهم عملت ذلك وكنت على حذر فاشخص حتى تلقى عبد الله بهم وأقرب وإن كانوا على رأيهم علملت ذلك وكنت على حذر فاشخص حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعًا ومنتقشفًا فإن جبهك وهو فاعل فاصبر وعادوه حتى يأنس ويلين لك ناحيته فإذا أظهر لك ما قبله فاعجل علي‏.‏

فشخص حتى قدم على عبد الله فلقيه بالكتاب فأكره وهره وقال‏:‏ ما أعرف هؤلاء القوم‏.‏

فلم يزل يتردد إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به فسأله عقبة الجواب‏.‏

فقال‏:‏ أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فأقرئهم السلام وأعالمهم أنني خارج لوقت كذا وكذا‏.‏

ورجع عقبة إلى المنصور فأعلمه الخبر فانسأ المنصور الحج وقال لعقبة‏:‏ إذا لقيني بنو الحسن

فيهم عبد الله بن الحسن فأنا مكرمه ورافع محلته وداع بالغداء فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائمًا فإنه سيصرف عنك بصره قاستدر حتى ترمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ثم حسبك وإياك أن راك ما دام يأكل‏.‏

فخرج إلى الحج فلما لقيه بنو الحسن أجلس عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم رفع فأقبل على عبد الله بن الحسن فقال له‏:‏ قد علمت ما أعطيتني من العهود والمواثيق ألا تبغيني بسوء ولا تكيد لي سلطانًا قال‏:‏ فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين‏.‏

فلحظ المنصور عقبة بن سلم فاستدار حتى وقف بين يدي عبد الله فأعرض عنه فاستدار حتى قام وراء ظهره فغمزه بإصبعه فرفع رأسه فملأ عينه منه فوثب حتى قعد بين يدي المنصور فقال‏:‏ أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله‏!‏ قال‏:‏ لا أقالني الله إن أقلتك‏!‏ ثم أمر بحبسه‏.‏

وكان محمد قد قدم قبل ذلك البصرة فنزلها في نبي راسب يدعو إلى نفسه وقيل‏:‏ نزل على عبد الله بن شيبان أحد بني مرة بن عبيد قم خرج منها فبلغ المنصور مقدمة البصرة فسار إليها مجدًا فنزل عند الجسر الأكبر فلقيه عمرو بن عبيد فقال له‏:‏ يا أبا عمان هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فأقتصر على قولك وأنصرف‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

وكان محمد قد سار عنها قبل مقدم المنصور فرجع المنصور واشتد الخوف على محمد

وكان المنصور قد حج سنة أربعين ومائة فقسم أموالًا عظيمة في آل أبي طالب فلم يظهر محمد وإبراهيم فسأل أباهما عبد الله عنهما فقال‏:‏ لا علم لي بهم فتغالظا فأمصه أبو جعفر المنصور حتى قال له‏:‏ امصص كذا وكذا من أمك‏!‏ فقال‏:‏ يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصني أبفاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم بفاطمة بنت الحسن بن علي أم بأم إسحاق بنت طلحة أم بخديجة بنت خويلد قال‏:‏ لا بواحدة منهن ولكن بالجرباء بنت قسامة بن زيهر‏!‏ وهي امرأة من طيء فقال المسيب بن زيهر‏:‏ يا أمير المؤمنين دعني أضرب عنق ابن الفاعلة‏!‏ فقام زياد بن عبيد الله فألقى عليه رداءه وقال‏:‏ هبه لي يا أمير المؤمنين فأستخرج لك ابنيه فتخلصه منه‏.‏

وكان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله قد تغيبا حين حج المنصور سنة أربعين ومائة عن المدينة وحج أيضًا فاجتمعوا بمكة وأرادوا اغيتال المنصور فقال لهم الأشتر عبد الله بن محمد‏:‏ أنا أكفيكموه‏!‏ فقال محمد‏:‏ لا والله لا أقتله أبدًا غيلةً أدعوه‏.‏

فنقض ما كانوا أجمعوا عليه‏.‏

وكان قد دخل علهم قائد من قواد المنصور من أهل خراسان اسمه خالد بن حسان يدعى أبا العساكر على ألف رجل فنمى الخبر إلى المنصور فطلب فلم يظفر به فظفر بأصحابه فقتلهم وأما القائد فإنه لحق بمحمد بن عبد الله بن محمد‏.‏

ثم إن المنصور حث زياد بن عبيد الله على طلب محمد وإبراهيم فضمن له ذلك ووعده به فقدم محمد المدينة قدمة فبلغ ذلك زيادًا فتلطف له وأعطاه الأمان على أن يظهر وجهه للناس فوعده محمد ذلك فركب زياد مع المساء وواعد محمدًا سوق الظهر وركب محمد فتصايح الناس‏:‏ يا أهل المدينة المهدي المهدي‏!‏ فوقف هو وزياد فقال زياد‏:‏ يا أيها الناس هذا محمد بن عبد الله بن الحسن ثم قال له‏:‏ الحق بأي بلاد الله شئت‏.‏

فتوارى محمد‏.‏

وسمع المنصور الخبر فأرسل أبا الأزهر في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ومائة إلى المدينة فأمره أن يستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطلب وأن يقبض على زياد وأصحابه ويسير بهم إليه فقدم أبو الأزهر المدينة ففعل ما أمره وأخذ زيادًا وأصحابه وسار نحو المنصور وخلف زياد في بيت مال المدينة ثمانين ألف دينار فسجنهم المنصور ثم من عليهم بعد ذلك‏.‏

واستعمل المنصور على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري وأمره بطلب محمد بن عبد الله وبسط يده في النفقة في طلبه‏.‏

فقدم المدينة في رجب سنة إحدى وأربعين فأخذ المال ورفع في محاسبته أموالًا كثيرة أنفقها في طلب محمد فاستبطأه أبو جعفر واتهمه فكتب إليه يأمره بكشف المدينة وأعراضها فطاف ببيوت الناس فلم يجد محمدًا‏.‏

فلما رأى المنصور ما قد أخرج من الأموال ولم يظفر بمحمد استشار أبا العلاء رجلًا من قيس عيلان في أمر محمد بن عبد الله وأخيه فقال‏:‏ أرى أن تستعمل رجلًا من ولد الزبير أو طلحة فإنهم يطلبونهما بذحلٍ ويخرجونهما إليك‏.‏

فقال‏:‏ قاتلك الله ما أجود ما رأيت‏!‏ والله ما خفي علي هذا ولكني أعاهد الله لا أنتقم من بني عمي وأهل بيتي بعدوي وعدوهم ولكني أبعث عليهم صعلوكًا من العرب يفعل بهم ما قلت‏.‏

فاستشار يزيد بن يزيد السلمي وقال له‏:‏ دلني على فتى مقلٍ من قيس أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن يعني ابن القسري قال‏:‏ هو رياح بن عثمان بن حيان المري فسيره أميرًا على المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين‏.‏

وقيل‏:‏ إن رياحًا ضمن للمنصور أن يخرج محمدًا وإبراهيم ابني عبد الله إن استعمله على المدينة فاستعمله عليها فسار حتى دخلها فلما دخل دار مروان وهي التي كان ينزلها الأمراء قال لحاجب كان له يقال له أبو البختري‏:‏ هذه دار مروان قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أما إنها محلال مظعان ونحن أول من يظعن منها‏.‏

فلما تفرق الناس عنه قال لحاجبه‏:‏ يا أبا البختري خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ يعني عبد الله بن الحسن فدخلا عليه وقال رياح‏:‏ أيها الشيخ إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة ولا ليد سلفت إليه والله لا لعبت في كما لعبت بزياد وابن القسري والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم‏!‏ فرفع رأسه إليه وقال‏:‏ قال أبو البختري‏:‏ فانصرف والله رياح آخذًا بيدي أجد برد يده وإن رجليه لتخطان الأرض مما كلمه‏.‏

قال‏:‏ فقلت له‏:‏ إن هذا ما اطلع على الغيب‏.‏

قال‏:‏ إيهًا ويلك‏!‏ فوالله ما قال إلا ما سمع‏.‏

فذبح كما تذبح الشاة‏.‏

ثم إنه دعا بالقسري وسأله عن الأموال فضربه وسجنه وأخذ كاتبه زراعًا وعاقبه فأكثر وطلب إليه أن يذكر ما أخذ محمد بن خالد من الأموال وهو لا يجيبه فلما طال عليه العذاب أجابه إلى ذلك فقال له رياح‏:‏ احضر الرفيعة وقت اجتماع الناس ففعل ذلك فلما اجتمع الناس أحضره فقال‏:‏ أيها الناس إن الأمير أمرني أن أرفع على ابن خالد وقد كتبت كتابًا لأنجو به وإنا لنشهدكم أن كل ما فيه باطل‏.‏

فأمر رياح فضرب مائة سوط ورد إلى السجن‏.‏

وجد رياح في طلب محمد فأخبر أنه في شعب من شعاب رضوى جبل جهينة وهو في عمل ينبع فأمر عامله في طلب محمد فهرب منه راجلًا فأفلت وله ابن صغير ولد في خوفه وهو مع جارية له فسقط من الجبل فتقطع فقال محمد‏:‏ منخرق السّربال يشكو الوجى تنكبه أطراف مروٍ حداد شرّده الخوف فأزرى به كذاك من يكره حرّ الجلاد قد كان في الموت له راحة والموت حتم في رقاب العباد وبينا رياح يسير في الحرة إذ لقي محمدًا فعدل محمد إلى بئر هناك فجعل يستقي فقال رياح‏:‏ قاتله الله أعرابيًا ما أحسن ذراعه‏!‏